عزيزي مُحرّر باب مشكلتك لها حلّ، أكتب لك بعد أن ضاقت بي السُّبل وصرت أنوء تحت حمل هائل من المتاعب والضّيقات، بل والخزي والعار أيضاً،
فأنا يا سيّدي انضممت إلى صفّ طويل من الفتيات اللّواتي يُسمّونهنّ كرهاً: "العانسات". وآه لو أنّك تعرف معنى ووقع هذه الكلمة البغيضة على كلّ من تُطلق عليهنّ، إنّها كالسّكّين المغروسة في القلب، تُدمي وتُؤلم أيّ ألم، بلا أمل أو رجاء قريب في الشّفاء!!.
لقد صار عُمري الآن ثماني وعشرون عاماً، وأنا مُثقّفة ومُتديّنة، ولا بأس بشكلي أو مظهري، فأنا لست أدّعي أنّني رائعة الجمال، لكنّني على الأقلّ مقبولة مثل بقيّة الفتيات، فلست قبيحة أو دميمة، بل أنا أيضاً حُلوة المعشر كما يشهد كلّ الذين يتعاملون معي في مُحيط عائلتي، كما أنّني أنتمي لعائلة طيّبة لها سُمعتها المُتميّزة في الوسط الذي نحيا فيه.
أنت ترى معي إذاً أنّ كلّ شيء يبدو على ما يُرام، إلّا عند مسألة الزّواج!!.
لقد تزوّجت أختي الأكبر منّي في سنّ الثّانية والعشرين، كما أنّ الأخت الأصغر تستعدّ للزّواج وهي في الرّابعة والعشرين من عُمرها، ولم يتوقّف الخُطّاب عن طرق بابنا لأجل هاتين الأختين، الأصغر والأكبر، منذ سنوات طويلة مضت حتّى قبل أن يكونا قد أنهيا دراستهما، وللعلم، إحداهما حاصلة على مؤهّل مُتوسّط، والأخرى على مُؤهّل عال مثلي وإن كان مُؤهّلي أنا هو الأفخم والأكثر تقديراً!!.
تقدّم لى خُطّاب قليلون لم يتعدّوا أكثر من نصف عدد أصابع اليد الواحدة!، لكنّي لم أجد أيّ ارتياح للارتباط بأيّ منهم، فهم كان منهم من هو طامع فيّ، أو لا تُناسبني نظراته الجائعة، ولا فلسفته ونظرته للحياة وطريقة تفكيره فيها، ولعلّي ـ رغم ذلك كلّه ـ أعُضّ شفتي اليوم ندماً، لا على عريس تلهّفت عليه، بل على ارتباط كنت أتمنّاه أيّاً كان نوعه ومضمونه!.
أمّي صارت تشكُّ أنّ أحدهم عمل عملاً سُفليّاً (سحراً) لي كي لا أتزوّج، ومع عدم اعتقادي في مثل هذه الأمور، أكذب إن قُلت لك أنّني لم أشكّ في صحّة ذلك!!. وهي تُحاول الضّغط عليّ للذّهاب لأحد المشهورين بعلاج مثل هذه الأمور لكنّني أرفُض!.
نظرات النّاس تُلاحقني وألسنتهم تقطر سُمّاً، لا أحتمل افتراءاتهم ولا حتّى شفقة البعض منهم عليّ، تلك التي أراها واضحة أحياناً في عيونهم. والآن،تقدّم لي عريس لا يُناسبني في السّنّ ولا الثّقافة (معه مؤهَّل متوسّط)، لكنّي أفكّر في القبول قبل أن يذهب ولا أجد سواه أصلاً!!. ووسط هذا كلّه، أسأل الله تعالى: ما الذّنب الذي اقترفته حتّى يُعاقبني عليه هكذا؟!. وعندما لا أجد إجابة شافية عن مثل هذا السّؤال يزداد تعبي وغيظي من كلّ هذا الذي يحدث حولي من ظُلم وتعب!!.
أنا لا أكتب إليك لأنّي أتوقّع أن عندك حلّاً لمُشكلتي، بل فقط "لأفضفض" معك لعلّي أرتاح، خصوصا لأنّك لا ولن تعرفني!. كلّ رجائي أن تدعو النّاس ليتركونا في حالنا، ولا يرجموننا، ويكفينا ما نحن فيه، وألّا تبخل عليّ بكلمة تشجيع ودعاء لله كي يعينني فيما أنا فيه!!.
المنتظرة طويلاً!
عزيزتي صاحبة المُشكلة،
في البداية عندما قرأت عنوان رسالتك ظننت أنّك أكبر سنّاً، لكنّي بصراحة صُدمت لمّا علمت أنّ عمرك فقط 28. القطار لم يفوتك بعد صدّقيني. أعرف كثيرات تزوّجنَ بعد هذا العمر بكثير وزواجهنّ ناجح، المهم الاتّكال على الرّب والثّقة أنّه سيأتي بالأفضل الذي يراه هو وفي الوقت المناسب الذي يحدّده هو أيضاً، فقط علينا بالصّبر والاتّكال وطلب الإرشاد من الله حتّى يوجّهنا للاختيار الصّحيح الذي يتوافق مع مشيئته.
أنا اُقدّر بالطّبع ما أنت فيه من متاعب وجروح نفسيّة وعصبيّة ناتجة عن الموقف العصيب الذي تمُرّين به، لكن هوّني عليك أختي العزيزة واستمعي لي، وليفتح الله قلبك تجاه هذه الكلمات التي سأتحدّث بها معك.
لا تُعتبر مشكلتك مشكلة فريدة من نوعها، فالكثيرات في مُجتمعاتنا العربيّة لا سيّما النّامية منها، صرن يُعانين من المُشكلة نفسها. والأسباب وراء ذلك مُتعدّدة ومُتشعّبة، منها ضيق ذات اليد والمصاعب والأزمات الاقتصاديّة العالميّة التي صارت تُحيط بنا من كلّ جانب، كما أنّ المُجتمعات نفسها تتغيّر، ففي عصر المعرفة والنِّت والمعلوماتيّة والتّكنولوجيا، لم يعُد لدى النّاس وقت للعلاقات الإنسانيّة مثلما كانت العلاقات في السّابق. ممّا أثّر أيضاً على علاقاتنا الاجتماعيّة بما فيها من زواج وارتباط!. هذه هي بعض جوانب المُشكلة من وجهة نظر موضوعيّة، يُضاف إلى ذلك أيضاً ما للموضوع من حساسيّة مُفرطة تزيد الأمور تعقيداً وصعوبة، لا سيّما في مُجتمعاتنا الشّرقيّة!.
والآن، أنا أودّ بنعمة الله أن أُحوّل حديثي معك لدَفّة أُخرى من الحوار. أنا أريدك أن تكوني قويّة، ثابتة، مُمتلئة ثقةً ورجاءً ويقيناً في أمور عدّة، منها أنّ الله يُحبّك، وهو يشعر بك ويتعاطف معك، هو لنا حينما لا يشعر بنا الذين من حولنا أو يجرحوننا .... وهو حتّى إن أراد أن يُؤدّبنا (أفضل من كلمة يعاقبنا) لأجل ذنب اقترفناه، فإنّه يُؤدّب كما يُؤدّب الأب الصّالح ابنه الذي يُحبّه، لا بروح الانتقام، بل بروح الحُبّ والتّشجيع وللبُنيان وليس للهدم. لهذا، أنا أريدك ألّا تُشفقي على ذاتك وألّا تستسلمي للمشاعر السّلبيّة التي تكاد أن تُحطّمك، بل املأي حياتك بانتظار الله، وبتوقُّعات إيجابيّة للمُستقبل. لا ذنب لديك فيما أنت فيه فلماذا تُعذّبين نفسك بمشاعر خانقة؟ حياتنا إنّما هي أمانة في يد الله، وهو الأقدر والأجدر على استثمارها بأنسب طريقة .....
أختي الفاضلة، لا تقبلي عريساً لا تشعرين أنّه الاختيار المناسب لك مهما كانت الضّغوط ، فإنّ زواجاً كهذا سيكون بلا شكّ محكوماً عليه بالفشل، وقد يُدمّر حياتك أكثر!. ولا تستسلمي أيضا لخيالات وأوهام السِّحر والأعمال السُّفليّة وخلافه، فإن أنت استودعت حياتك بين يديّ الله الأمين، فلن يستطيع إنسان ـ مهما كان ـ أن يُؤذيكِ أو أن يمُدّ يده نحوك بالشّرّ!. لذلك، اخرجي ممّا أنت فيه، ولا تهتمّي كثيراً بما يقوله أو يعمله النّاس. سلّمي أمورك لله باطمئنان واهدأي بين يديه وسترين كيف يأتيك الخير. إنّ ساعاتنا قد تُسرع أو تُؤخّر، لكن ساعة الله دوماً مضبوطة، وسيأتي دوماً في الوقت المُناسب. لذا اهدأي وأَكمِلي حياتك بطريقة طبيعيّة حتّى يُوضّح الله لك مشيئته الصّالحة لحياتك. وانتظريها وتقبّليها وستعرفين أنّها الأفضل لك.
موضوعات مشابهة:-
1- برنامج أسمع وميز ( السحر).
5- برنامج إسمع وميز ( الزواج).