ما هو مرض الفصام؟
إنّ الإنسان كائن ثلاثي، يتكوّن من روح ونَفْس وجسد. والنّفْس تتكوّن من: الفكر (العقل) والمشاعر (العواطف أو الوجدان) والإرادة (التي ينتج عنها السلوك)، هؤلاء الثّلاثة مرتبطون معاً ارتباطاً وثيقاً، ومع العالم الخارجي، يؤثّرون ويتأثّرون ببعضهم البعض، فينتج عن ذلك تناغم وانسجام بين مكوّنات النّفْس والعالم الخارجي. وهذا نوضّحه بمثال بسيط: في أثناء تواجد شخص ما بمنزله، سمع صوت طلقات ناريّة بالقرب منه (العالم الخارجي)، ففكّر بأنّ هناك عدواناً عليه يهدّد أمنه وحياته (التّفكير)، فشعر بالخوف (المشاعر)، فدفعه هذا التّفكير وهذا الشّعور إلى اتّخاذ قرار بالهرب، فقام وهرب بعيداً (إرادة وسلوك). ولكن إذا كان الشّخص ذاته متواجداً في السّينما يشاهد فيلماً يقوم فيه الممثّل بإطلاق طلقات ناريّة، فلن يفرّ هارباً كما في الحالة الأولى، لأنّه يدرك ما حوله، المكان والزّمان والأشخاص (عن طريق التّفكير)، ويشعر بالإثارة والفضول لمعرفة ما ستُسفر عنه أحداث الفيلم (المشاعر)، فيستمرّ جالساً في مكانه حتّى النّهاية (سلوك). هذا ما نقصده بالتّرابط بين مكوّنات النّفْس، لكن عندما يتفكّك هذا التّرابط وتنقسم مكوّنات النّفْس، وتنفصل عن العالم الخارجي والواقع والمنطق ينتج مرض الفصام.
الأسباب: لا أحد يعلم سبباً واحداً لمرض الفصام، ولكن من المؤكّد أنّه تحدث اضطرابات في المواد الكيميائيّة بالمخّ. وللعنصر الوراثي دور كبير في هذا الأمر. أمّا الضّغوط النّفسيّة، الأسريّة أو الاجتماعيّة، فهي عوامل تساعد على ظهور المرض لمن لديهم العامل الوراثي. لعلّ أشهر هذه الضّغوط هي نشأة الطّفل داخل أسرة منقسمة مضطربة، يتلقّى فيها أوامر متناقضة من الوالدين، كأن يقول الأب: إفعل، والأم: لا تفعل.
اكتشاف المرض:
اكتشاف المرض باكراً والبدء في العلاج يساهمان في السّيطرة عليه. وغالباً ما تكون البداية في فترة المراهقة (من 15 إلى 25 سنة)، والأعراض قد تكون حادّة وفجائيّة، وقد تكون بطيئة وتدريجيّة ممّا يؤخّر من اكتشاف المرض. يلاحظ المحيطون بالمريض أنّه أصبح منعزلاً، قليل الكلام، قليل الحركة، لا يتفاعل مع الآخرين أو الأحداث، الحاضر الغائب، يأكل وينام ويتصرّف دون أن يشغل الحيّز الذي كان يشغله قبلاً. لا يهتمّ بنفسه أو مظهره، متبلّد المشاعر، إجاباته مقتضبة ولا تحمل فكراً أو معنى. ويبدأ التّدهور الدّراسي أو الوظيفي في الظّهور، وقد يكون قليلاً لا يُلاحظ. ويجب معرفة أنّ المريض لا يدرك أنّه مريض على الإطلاق، وبالتّالي فلن يطلب المساعدة بمفرده.
خصائص الفصام:
1_ يضرب مكوّنات النّفْس (التّفكير والمشاعر والإرادة) ويفكّكها عن بعضها البعض. فتجد كلّ مكوِّن من هذه المكوّنات قد تشوّه واضطرب، وانفصل عن المكوّنات الأخرى.
2- تفكير المريض – والذي نعرفه من كلامه وحديثه أثناء المقابلة – يصبح مضطرباً شكلاً ومضموناً:
أ - شكل التّفكير: لا نستطيع أن نحصل منه على إجابة واضحة ومحدّدة للسّؤال، بل قد يدور ويدور ويذهب لمنطقة أخرى في الحديث، وقد يجيب عن سؤال آخر تماماً، وقد يتكلّم كلاماً غير مفهوم وغير مترابط ببعضه.
ب- مضمون التّفكير: قد توجد لديه أفكار أو قناعات خاطئة، ولكنّها راسخة رسوخ الجبل، لا تستطيع أن تغيّرها بالإقناع أو التّفاهم أبداً، تُسمّى "ضلالات"، وهي أنواع كثيرة مثل: ضلالات العَظَمة (أنا نبي – أنا ربّنا)، الاضطهاد (النّاس عايزة تؤذيني – جيراني عاوزين يقتلوني)، التّلميح والإشارة (الاتنين دول بيتكلموا عليّ – الشّخص ده بيراقبني – القمر الصّناعي بيصوّرني)، الخيانة (مراتي بتخونّي لأنّي رجعت لقيت سمّاعة التّليفون سخنة وعرفت إنّها كانت بتتكلّم لفترة طويلة)، فقدان السّيطرة على أفكاره (الفكرة دي مش بتاعتي وحدّ زرعها في دماغي – النّاس تقدر تقرأ أفكاري وتسحبها مني).
3- المشاعر تتبلّد، فلا يشعر بشيء تجاه شخص أو موقف، وقد يبتسم ويضحك وهو يحكي عن وفاة والده أو عن مصيبة ألمّت به.
4- الإرادة تقلّ وتتوقّف، وهذا يفسّر عدم اهتمام هذا المريض بنظافته وعدم الاستحمام لشهور.
5- اضطرابات في السّلوك تتّخذ صوراً عديدة مثل: حالات الهياج والعنف الجسدي والجنسي – أفعال شاذّة وغير مناسبة للمكان والزّمان – ارتداء ملابس غير مناسبة أو عدم ارتداء ملابس على الإطلاق.
6- اضطرابات الإدراك أو الاستقبال: في الظّروف الطّبيعيّة لكي نسمع صوتاً لا بدّ من وجود شيء أو شخص يصدر هذا الصّوت (فيما يُعرَف بالمثير)، والأمر ذاته ينطبق على الرّؤية والشّمّ والتّذوّق واللّمس (الحواس الخمسة). مريض الفصام قد يشعر بالاستثارة دون وجود المثير (فيما يعرف بالهلوسة، وهي أنواع: سمعيّة وهي الأكثر في الفصام - بصريّة – شمّيّة – لمسيّة)، فتجد المريض يسمع صوتاً حقيقيّاً يشتمه، أو يأمره بفعل شيءٍ ما، أو يجادله، أو يعلّق على تصرّفاته، وبالطّبع لا يجد صاحب هذا الصّوت، ولهذا تراه يكلّم نفسه، أو يبتسم فجأة دون سبب، أو يشتم ويغضب وكأنّه يتشاجر مع شخصٍ هو غير موجود.
العلاج:
1- في المستشفى أم في المنزل: في حالة وجود أعراض حادّة وعنف ورفض لتعاطي العلاج، لا بدّ من دخول المستشفى حتّى يستقرّ المريض وتتحسّن الأعراض.
2- دواء كيميائي أم علاج بالصّدمات الكهربائيّة: الأدوية الكيميائيّة تسمّى مضادات الذّهان، منها الأقراص ومنها الحقن طويلة المفعول، وهي لا تسبّب إدماناً. ويجب التّنبيه والتّأكُّد من ابتلاع المريض للدّواء. إذا رفض المريض العلاج بالفمّ، يمكن استعمال الحقن طويلة المفعول، وأحياناً يتمّ استعمال الاثنين معاً. العلاج بالصّدمات الكهربائيّة قد نلجأ إليه إذا استمرّت الحالة الحادّة دون تحسّن، وهذا النّوع من العلاج لا يسبّب ألماً للمريض ولا يضرّ به مطلقاً.
3- التّوقّف فجأة عن العلاج معناه انتكاسة (أي عودة ظهور الأعراض مرّة أخرى، حيث أنّنا نتعامل مع مرض مزمن). لا تتوقّع تحسّناً قبل مرور شهر من بدء العلاج الذي يستمرّ لمدّة تتراوح من 6 شهور إلى 3 سنوات أو أكثر.
4- المتابعة: لا بدّ من زيارة الطّبيب بصورة دوريّة لمتابعة المريض ومدى استجابته وظهور أيّ أعراض جانبيّة. والطّبيب وحده من يتحكّم في جرعة العلاج بعد استقرار المريض بوقت كافٍ، ليصل إلى أقلّ جرعة دوائيّة مؤثّرة.
5- الأسرة المتحابّة والمتماسكة والمترابطة هي من أقوى وسائل الدّعم لمثل هذا المريض.
والآن، إذا سمح الله بوجود شخص مريض في عائلتك بهذا المرض العضال في هذه الظّروف الصّعبة، كيف ستتعامل معه وكيف ستنظر إليه؟ هل تلوم الله على ما سمح به، أم تلوم الظّروف، أم تلوم نفسك؟ هل تعتقد أنّه من الممكن أن يعود مُنتِجاً مرّة أخرى؟ هل هناك خطورة منه؟ هل تراه قادراً على الزّواج وتكوين أسرة يصبح مسؤولاً عنها؟ هل ستخبر الطّرف الآخر قبل الزّواج بالمرض؟ ... إلخ.. أسئلة أتركها معك أيّها القارئ، فبماذا تجيب؟؟