لم يدري أحمد ما الذي أصابه ، كيف يوقف هذا السعال الذي حاصره فجأة !! .
استدار نحو الجدار واستمر في السعال إلى وقت متأخر من الليل . اندفع خارج الغرفة ساخطا غاضبا . ماذا يستطيع أن يفعل أكثر من الإنتظار ؟ كان يتعجل انتهاء الليل وحلول الصباح ، غير أن الليل كان طويلا، وكلما ازداد توتره بسبب الوقت و الإنتظار كلما اشتد عليه السعال و الألم .
حينما أغمض جفنه صاح الديك فاستفاق يسعل ويسعل ، قام وصلى ثم ظل ينتظر إطلالة شمس يوم جديد ..
في الثامنة صباحا كان في المحطة الأخيرة للمحاميد 9 ينتظر مرور الحافلة رقم 20 وهو يسعل ويسعل ..
ركب الحافلة واستمر في السعال والسعال ، مما أثار حفيظة الركاب الذين ابتعدوا عنه شيئا فشيئا . وفي الوقت الذي ابتعدوا فيه ، انهالت عليه المناديل من كل الإتجاهات . سمع أصوات الركاب وهي تقول: ضع منديلا .. خذ ه هيا ..
وصلت الحافلة محطة سيدي ميمون هناك غادرها من دون أن يغادره السعال وهو في طريقه الى مستشفى رياض الموخا .
وصل أحمد أمام المستشفى هناك وجد رجلا يمتهن مهنة حارس للدراجات وأيضا بائع سجائر بالتقسيط ، تقدم نحوه وهو يسعل ويسعل .. يريد أن يسأله عما إذا كان العمل قد بدأ ، غير أن الرجل أسرع وقال لأحمد : تريد سجائر ؟ قال أحمد وهو يسعل : أه أه ههه....لا لا أنا مريض أريد أن أرى الطبيب .
قال الرجل : نعم ، عليك أن تنتظر ، الطبيب لا يبدأ في استقبال المرضى إلا بعد ساعة من الآن . هناك استمر احمد في الانتظار وأيضا في السعال إلى نادت عليه الممرضة . دخل يجر قدميه المتعبين وقال :
سيدتي أريد أن أرى الطبيب ، قالت الممرضة : نعم ستراه ، لهذا ناديت عليك ، غير أنه عليك أن تنتظر الطبيب لبعض الوقت ، سينادي علك !! لا تقلق . دخلت الممرضة غرفة الطبيب ومن فتحة الباب رأى أحمد الطبيب يصلي في خشوع مما دفع بالممرضة إلى الخروج بسرعة . حيث مرت من أمام أحمد وهو يسعل ويسعل من دون توقف . فقالت : ستدخل بعد قليل .. لا تقلق ستكون بخير .
عندما نادى الطبيب على أحمد اندفع إلى الغرفة بسرعة شديدة فوجد الطبيب يتحدّث في الهاتف فبقي ينتظر ويسعل ...
عندما انتهى الطبيب تقدم نحو أحمد وقال : هل تدخّن؟ قال احمد : لا
قال : هل تعمل في مكان مغلق فيه مواد كيميائية ؟ قال : لا
قال : افتح فمك .. وبعد أن نظر فيه قال : لا تقلق .سأكتب لك هذا الدواء و بعدها ستكون بخير .
قال أحمد: أرجوك دكتور أريد أن أقوم بتحاليل .
قال الطبيب : لا ، أنت لا تحتاجها . قال أحمد : أرجوك دكتور ، هذا السعال والألم لا يفارقني ، أرجوك دكتور ..أرجوك .
قال: اسمع ، الأمر بسيط فقط اشرب هذا الدواء وستكون بخير.. قال: لا ..لا لن أذهب من هنا لن أذهب إلا بعد أن أجري التحاليل . أرجوك دكتور ، أرجوك.
قال الطبيب : حسنا ، ستقوم بها ، غير أنه عليك أن تنتظر ، لأنه في هذا الوقت بالذات، يتم إصلاح العطب الذي أصاب الآلة .
بقي أحمد يسعل ويسعل إلى أن وقع ميتا وهو ينتظر.
لقد انتظر أحمد كثيرا ، انتظر الصباح ، انتظر الحافلة ، انتظر اشتغال المستشفى ، انتظر الممرضة وانتظر الطبيب ، لكن الطبيب الحقيقي الشافي الحقيقي لا يغلق بابا أبدا ، لن تنتظر معه حتى الصباح لأنه دائما موجود ، لن تركب حافلة لتصل إليه لأنه دائما بقربك ، لن تحتاج وساطة بينك وبينه لأنه دائما مستعدا ليحمل آلامك وأحزانك ، بابه مفتوحة على الدوام أمامك ، هي لم تغلق يوما ، ولن تغلق أبدا في وجهك ، إنه الطبيب الأمين ، الشافي الحقيقي ، العافي المعين ، الرب يسوع المسيح ، أخي هو ينتظرك .. ينتظرك .. ينتظر .. أنت لا تنتظر .