عزيزي مُحرّر باب مُشكلتك،
لست أعرف كيف أبدأ مُشاركتي معك حول المُشكلة التي أُعاني منها، فهي مُشكلة فظيعة تُعدُّ إحدى إفرازات عصر الهمجيّة والغوغاء الذي صرناـ بكلّ أسف ـ نعيش فيه،
ورُبّما كان أيضاً أحدى إفرازات العولمة والفضائيّات والخصخصة والأزمة الاقتصاديّة الخانقة التي خربت الكثير من البيوت وقضت على أيّ أمل أو رجاء في مُستقبل أفضل لشباب يُريدون أن يحيوا الحياة الأفضل!.
لا أريد أن أُطيل أكثر في مُقدّمة ربّما أنا أُحاول من خلالها أن أتماسك لأشاركك بكارثة انهياري، فأنا ببساطة، اغتُصِبت! نعم اغتُصِبت.
كان هذا أثناء عودتي من درس مسائي آخذه مع مجموعة من زميلاتي في منزل إحداهنّ الذي لا يبعد كثيراً عن حيّنا الذي نقطن فيه، وإن كان مُتطرّفاً لحدّ ما خارج أطراف المدينة، لا يقطنه الكثيرون بحُكم أنّه حيّ جديد نشأ كامتداد طبيعي لتوسّع المدينة العُمراني وزيادة الكُتلة السّكنيّة فيها!. القصّة ببساطة أنت تعلمها وكم قرأناها كثيراً في صفحات الحوادث بالجرائد والمجلّات، لكن كما يقولون، فالحذر لا يمنع القدر!. وقد كان هذا هو قدري ونصيبي أن أستقلّ إحدى الميكروباصات لأصل لمنزلي، فإذا بي أجد نفسي، بعد أن ركبت، الفتاة الوحيدة فيه!. ثمّ بدأت الأحداث تتوالى سريعاً!، فبمُجرّد ركوبي وإدراكي لهذه الحقيقة طلبتُ من السّائق التّوقّف ولكنّه لم يُجيب، فشعرت بخوف وخطر يُحدق بي وقّررت أن أصرخ، لكن قبلها كان سكّين قد وضع بجنبي من أحد رفقائه الذين كانوا أربعة شباب معاً ولم يتّضح ذلك لي منذ البداية!. كان ذلك وحده كفيلاً، مع رعبي الأصلي، أن يُخرسني ويجعلني أستسلم لقدر كان محتوماً وأنت تعرف بقيّة القصّة!!. بعد أن أفقت من صدمتي ولملمت أشلائي المُحطّمة، وملابسي المُمزّقة، جريت أصرخ في الشّارع حتّى التفّ حولي البعض من أولاد البلد الطّيّبين الذين ستروني بملابس دبّروها لي، ثمّ بعدها اصطحبوني لأهلي. كانت الصّدمة قاسية جدّاً عليهم جميعاً كما أنا أيضاً، لكنّهم لم يعُبّروا عن صدمتهم إلّا بالكتمان، فلم يكونوا يريدون فضحنا وسط الجيران أكثر من ذلك، والآن،
أنا حطام، جسديّاً ونفسيّاً ومعنويّاً. فقدت كلّ رغبة في الحياة وتواردت أسئلة كثيرة بعقلي كادت تجعلني أجنّ!. قل لي سيّدي كيف سأواجه البنات والأصدقاء؟ وماذا سأقول للأقارب والجيران؟ كيف سأواجه المُجتمع والمُستقبل؟ كيف سأقابل من يتقدّم لخطبتي؟ وكيف ستجمعني علاقة حميمة مع زوجي هذا لو تزوّجت أصلاً بعد كل هذا التّشويه الذي حدث لي؟ هل لي من يُجيبني على تلك الأسئلة؟ اسمع أيضاً ما حدث لي، لقد قرّر أبي ألّا أخرج من البيت ثانية ولو للمدرسة!، فصار الموضوع بالنّسبة لي كما يقولون باللّهجة العامّيّة (موت وخراب ديار!). فأنا في لحظة واحدة ـ ودون ذنب اقترفته ـ فقدت ذاتي وانسانيّتى وكرامتي بل ومُستقبلي العلمي والعملي!!.
الأكثر من ذلك أنّني ألمح نظرة الهزيمة والانكسار في عينَي أُسرتي المقهورة لأجلي، وهذا الشّعور يكاد يقتلني ويُكمل عليّ!. أهذا ما يجب عليّ أن أنتظره أو أتوقّعه من أهلي وأقرب النّاس لي؟ بدلاً من أن يُشجّعوني ويُضمّدون جراحي، أجد في عيونهم جميعاً نظرات العار والكسر والهزيمة. قُل لي بربّك سيّدي ما ذنبي أنا وماذا كان ينبغي عليّ أن أعمله؟ قُل لي سيّدي كيف يُمكنني أن أكمل حياتي هكذا، وما الذي عليّ أن أعمله؟ هل أقضي على حياتي بالانتحار فأُريح وأستريح؟!!!!
لم يتم العثور على الفيديو المطلوب
أختي العزيزة الفاضلة،
لا أعلم ماذا أقول لك أو بأيّ كلام يمكنني أن أتوجّه إليكِ، أو أُهدّىء به من روعك تجاه خبرة بهذا الحجم اجتزتيها بحياتك، خبرة ما أفظعها وما أقساها!!. لكن هل تعلمين أختي لماذا يظلم البشر بعضهم البعض؟ ولماذا يأثمون ويتجاوزون حدود الإنسانيّة؟ لماذا ينحطُّون ويفقدون آدميّتهم ويتصرّفون مثل الوحوش فينهشون لحم بعضهم البعض بدم بارد ووجوه لا تعرف الخجل أو الحياء؟!.
أقول، هل تعلمين لماذا يعمل البعض أمراً قبيحاً ومُزرياً كهذا؟ إنّها الخطيّة، والبُعد عن الله، هذا هو الذي يقذف بنا بعيداً، حتّى نصل لهذا المُستوى المُتدنّي. والآن، ليست هذه هي رسالتي إليك، بل الجانب الآخَر منها. هل تعلمين ماذا يكون لِزاماً علينا أن نعمله إن ظلَمَتنا الأقدار أو ضاقت بنا السُّبُل أو لاطمت الأمواج سفينة حياتنا بقُوّة وبقسوة حتّى تكسّرت السّفينة أو كادت؟ إنّه أيضاً أن نرجع إلى الله!. فهو وحده القادر كأب أن يحتضن، أن يُبرىء ويَعصُب، أن يشفي الجراح ويرفعنا فوقها ويُنسينا إيّاها. هذه هي رسالتي لكِ اليوم. وأرجوكِ أن تتماسَكي وأن تتمسّكي بها، لأنّي ربّما لا أجد أيّ خَيار آخَر لأَزَمَتك تجاه هذه المُصيبة التي حلّت بك. نعم، لا يستطيع أيّ بشر أن يُلملم حطام حياتنا ولا أن يقود حياتنا عبر طُرق ودروب وعرة وصعبة، وحده الله هو القادر على فعل هذا.
أختى العزيزة، تستطيعين أيضاً بجوار ذلك، لو كان بمقدوركِ أن تستعيني بمُساعدة طبيبة مُتخصّصة لتُساعدك في التّعرُّف على أبعاد الموضوع وأنسب الطُّرُق لمواجهة مثل تلك الأزمة.
أختي، مع أنّها أزمة تهزّ الكثيرين، لكن كوني قويّة واثقة وعنيدة في المواجهة. أنتِ لم تُخطئي، فلا تُعذّبي نفسك وليس من حقّ المُجتمع أن يعمل ذلك، وفي الغرب، هُناك مراكز مُتخصّصة للتّعافي والمُساعدة لأولئك اللاتي في مثل حالتك، جَنَتْ الأقدار عليهنّ فصرنَ يدفعنَ ثمن جُرم لم يرتكبنه.
أصلّي أن تنسي هذه الخبرة الفظيعة بمرارتها وقسوتها، وأن تبدأي صفحة جديدة مملوءة بالشّفاء والنّقاء كما أنّ قلبك ونفسك وجسدك أيضاً أنقياء، نعم، جسدك هذا الذي أُهينَ واستُبيح غدراً. لكن النّقاء أو عدمه، إنّما هو يأتي من داخل الإنسان لا من خارجه.
أختي العزيزة، إنسي ما مضى بكلّ ما فيه وابدأي من جديد، والربّ سيحفظك وسيقودك وسيُبارك حياتك أكثر فأكثر. أرجوكي راسليني ثانية لأطمئنّ عليكِ، وإن احتجتِ لمُساعدة مُتخصّصة أكثر من أيّ نوع، أَرسلي لي ببياناتك تفصيلاً (وهي مصونة في سريّة تامّة) حتّى يُمكنني مُساعدتك فيما تحتاجين إليه.